عن الملفات الكبرى لمجلة العلوم الإنسانية رقم:20
الهلوسة
سماع أصوات ورؤية أشياء ووجوه أو حيوانات ، في الوقت الذي لا يدرك فيه أي من المحيطين بالمريض هذه الأشياء ، و لا يوجد ما يطابقها أو يوحي بها في محيط المريض ، هو ما يمكن أن تكون عليه الهلوسة.إنها تجربة ذاتية وحميمية من بين التجارب الأكثر غرابة.
إن الهلوسات يمكن أن تتعلق بكل الحواس ( البصر والسمع والشم والذوق واللمس ) ، غير أنها نفسية في ذات الوقت ، عندما يكون لدى الشخص شعور بأن بعض أفكاره هي أفكار غريبة عنه أو مفروضة عليه من قبل قوى خارجية . والهلوسة تعرف عادة بوصفها إدراكا بدون موضوع مدرك ، ويتميز عن الوهم الذي هو إدراك مشوه لموضوع واقعي وعن الهلاووس أيضا الذي يكون فيه المريض واعيا بأنه يدرك شيئا لا معنى له.
فقدان الاتصال بالواقع
إن الهلوسة المعاشة بدون أي نقد ستؤدي إلى الانخراط الكلي للذات وتتسبب في حدوث الهذيان ، وهذا الأخير يعرف بوصفه اضطرابا لمحتوى الفكر يحدث فقدانا لعلاقة المريض بالواقع واتصاله به. والهذيانات موسومة بأفكار هي في خلاف وتناقض واضح مع الوقائع الملاحظة ومع المعتقدات السائدة في سياق ثقافي معطى . وبجانب الميكانيزمات المهلوسة ، يمكن للهذيانات أن تكون أيضا تأويلية ، متخيلة أو حدسية، وتتقابل هذه الميكانيزمات مع معتقدات ناجمة عن تفكير مغلوط ، في حين أنه في مجال الهذيان المهلوس تقوم المعتقدات على قاعدة مدركات مغلوطة.
في حالة الهذيان الهلوسي يمكن أن يظهر نقد صادر عن الذات عندما تختفي الهخلوسات أو تخف حدتها ، على النقيض من التفكير المغلوط الذي يمكن أن تستمر فيه الأفكار الهذيانية لمدة طويلة مسمرة في تفكير الذات.
إن الهلوسات والهذيانات الهلوسية يمكن أن تظهر في أنواع كثيرة من الوضعيات ، والتجربة الهلوسية تلحق الاضطراب بإدراك العلم من خلال اجتياح الأفكار وتحوير ملكة الحكم وإلحاق الفوضى بالسلوك. وسلوك الذات المهلوسة منظورا إليه من طرف ثالث ، يبدو غير متماسك وغير متكيف ؛ فالمريض يمكن مثلا أن يتحدث إلى شخص متخيل ، أو يقلد حركات غير لائقة ، أو يعبر عن عواطف فياضة ومتأججة . طريقة الإصغاء أو النظرة الملحة أو المفزعة والمجهة نحو مشهد غير مرئي كلها أيضا علامات على الهلوسة.
وعندما تستقر هذه العلامات بشكل مستديم ، وتلك حالة ثلث المرضى الذين يعانون من الفصام ( الشيزوفرينيا) ف، الذات تصارع تأثير هذه العلامات بمجهودات فكرية وعاطفية هائلة ، مما يصيبها قدراتها الخاصة على التفاعل مع محيطها بالخلل.
مقاربتان تصوريتان
يمكن حسب الثقافات أن تنسب الرؤى والأصوات لقوى فوق طبيعية أو لتمظهر صوفي أو لفعل من أفعال السحر ، ولم ينظر إلى الهلوسات باعتبارها ظواهر مرضية إلا في بداية القرن 19 ، أي عند ميلاد ما أضحى يسمى الطب النفسي ، وإيتيان إيسكيرول كان هو أول من جمع تحت نفس الإسم كل الهلوسات الآتية من حواس مختلفة ، مستدعيا بالإضافة إلى ذلك أصلا عصبيا ممكنا لهذه الظاهرة. ولقد نشأت بهذا الخصوص، وبشكل تدريجي ، مقاربتان تصوريتان كبيرتان هما : مقاربة الطب النفسي التي أعطت بادئ ذي بدء الأولوية لأصل مرضي متميز عن الإدراك العادي ، والمقاربة السيكولوجية التي اقترحت اتصالا واستمرارا في ما بين الإدراك العادي والإدراك المرضي ، أي الوهم والهلوسة.وقد مكن تطور مناهج الاكتشافات العصبية من تجاوز هذا التعارض : فقد أعادت هذه المناهج صياغة الفرضيات انطلاقا من ملاحظة العيوب المورفولوجية والوظيفية لمخ المريض المعاني من الهلوسات المزمنة، وتتضمن المقاربة العلاجية لهذه العلامات عدة محاور تكميلية كانت أحد خطواتها التاريخية الحاسمة اكتشاف أدوية مضادة للذهان في الخمسينيات تمكن أحيانا من إخماد عجيب لحدة الهلوسات أو الهذيان الهلوسي ، كما مكنت خطوات التقدم في مجال الصور خلال العشر سنوات الأخيرة ، وفي مراكز علاج متعددة ، من تطوير صيغ علاجية جديدة واعدة عن طريق تعديل النورونات Neuromodulation
[list=1][*]